(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. logo شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
101835 مشاهدة print word pdf
line-top
ما ورد بشأن عاد الأولى وإهلاك الله لهم

...............................................................................


السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
يذكر المؤرخون القصص السابقة لأجل العبرة ولأن الله تعالى ذكرها في القرآن لأجل أن يتذكر من يقرأها إذا عرف ما وقع لمن قبلنا وما حصل عليهم من العقوبات ومن النكبات والمصائب والتي سببها كفرهم بالله تعالى وشركهم.
وسببها أيضا تكذيب الرسل الذين أرسلوا إليهم بالبينات فينزل الله تعالى بهم العقوبات ويحل بهم المثلات، فقد ذكر الله تعالى قصة آدم وسبب إخراجه من الجنة وأنه بسبب معصيته وأكله من الشجرة التي نهي عن الأكل منها فعوقب بإخراجه من الجنة فقال تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى بمجرد أكله من الشجرة ذنب واحد أخرج به من الجنة.
يذكر ذلك بعض الشعراء فيقول:
تصل الذنوب إلى الذنـوب وترتـجي
درج الجنان بهـا وفـوز العـابـد
ونسيت أن اللــه أخــرج آدمـا
منها إلى الـدنيـا بـذنب واحــد
كذلك ذكر الله قصة قوم نوح وأن نوحا لبث فيهم تسعمائة وخمسين سنة وهو يدعوهم، ومع ذلك لم يصدقه إلا قليل فأنجاه الله تعالى وأهلك وأغرق الذين كذبوا فيقول الله تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ ويقول الله تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ فهذه أيضا لأجل العبرة أنهم كذبوه بعدما أرسل إليهم وأطال دعاءهم وأطال الإقامة الحجة عليهم، ومع ذلك لم يصدقه إلا القليل حتى امرأته كانت من المكذبين له.
وقص الله علينا أيضا قصة عاد ونبيهم هود عليه السلام، وذكر أنهم في الأحقاف، والأحقاف هي: الرمال المرتفعة وذكر أنهم في جنوب البلاد أي في نحو بلاد حضرموت وعدن وما هناك تلك الأحقاف.
وقد أخبر تعالى بأنهم أعطوا قوة في قولهم: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً وذكرهم نبيهم فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً أي في الأجسام وفي القوة وأعطوا أيضا قوة معنوية بحيث إنهم يظهرون أثر ذلك في أفعالهم أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ هذا من آثار ما أعطوه من القوة.
ومع ذلك ما شكروا الله الذي أعطاهم هذه القوة بل كذبوا رسله وقالوا لنبيهم: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ فسلط الله عليهم القحط وتأخر المطر مدة طويلة.
وكأنهم عرفوا أو يعرفون أن الله تعالى هو الذي ينزل المطر وأنه لا بد من الاستسقاء فأرسلوا اثنين إلى البيت إلى مكة يستسقون هؤلاء الاثنان لما قدما إلى مكة نزلا عند قريب لهما وأخذ يكرمهما ويعطيهما وقد كانوا قد مسهم الجوع في بلادهم.
وكان عنده جاريتان يقال لهم الجرادتان وأخذت الجاريتان تغنيان كل ليلة بأنواع من الغناء المطرب التي يستلذون بها فتغافلوا عن قومهم ونسوا ما أرسلوهم به من الاستغاثة والاستسقاء لأجل قومهم، فطال الأمد على قومهم وأصيبوا بكثير من الجوع والجهد ونحو ذلك.
ففكر صاحب المنزل وأنشأ أبياتا وأمر الجرادتين أن يغنيا بها ولا يدرى من قائلها ليتذكر هؤلاء ما أرسلا به وكان رئيسهما يقال له: قَيْل فأنشأ يقول:
ألا يـا قيـل ويحـك قـم فـهيم
لعـل اللـه يسـقينـا غمـامـا
فتسـقـى أرض عـاد إن عـادًا
قـد أمسـوا لا يبينـون الكلامـا
مـن العطش الشديد فليس نرجـو
بـه الشـيخ الكبـير ولا الغلامـا
فقُبِّـح وفـدُكم مـن وفـدِ قـومٍ
ولا لُقُّـوا التحـيـة والسـلامـا
فعند ذلك استشعروا أنهم أخطئوا حيث تأخروا على قومهم فاستسقوا، فخيروا لما أنشئت السحب هل تختارون هذه السحابة البيضاء أو السحابة السوداء فاختاروا السوداء، وظنوا أنها أكثر مطرا قال الله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ لما رأوا هذا السحاب عارضا مستقبلا بأوديتهم قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا يعني هذا الذي فيه المطر الغزير.
فأخبر بأن فيها ريحا شديدة تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ أرسل الله عليهم في هذه السحب ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر سبع ليال وثمانية أيام حسوما فكان هذا هو عذابهم على تكذيبهم الرسل.
ولا شك أن الله تعالى ذكر لهم شيئا من قوتهم وتجبرهم وعتوهم ومع ذلك فما أغنت عنهم قوتهم، ولهذا لما قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً قال الله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً فما أغنت عنهم قوتهم ولا أغنت عنهم أملاكهم.
وأما ما ذكر من أن واحدا منهم وهو شداد بن عاد بنى مساكن وسماها جنة، فمر بنا أنه كل ما ذكر اسم الجنة في الآخرة خيل إليه أنه قادر على أن يؤسس جنة في الدنيا ويجعل فيها مما في الجنة التي في الآخرة إلى آخر ما ذكر ولكن لم يثبت هذا.
وإنما أخبر الله تعالى بقوتهم فقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ القصة في عاد وليس في مساكنهم، وقد يسمون إرم أي عاد يسمون عاد الأولى كما في قول الله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى أي الأولية والأكبر.
ثم يسمون أيضا إرم ورد في الحديث في ذكر الخوارج أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الخوارج: لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد وإرم فدل على أن إرم اسم من أسماء القبيلة أنهم يسمون عادا ويسمون إرم ويمكن أنهم من قبيلتين قبيلة اسمها عاد الأولى وعاد الثانية هم إرم.
وكلهم عاد وإرم مشهورون بقوة البنية وبالمتانة وبكبر الجثة وكبر الأجرام وبالقوة الحسية والقوة المعنوية ولأجل ذلك أدلوا بقوتهم فهذه قصتهم.
وأما ما ذكر من الجنة التي يدعون أو يدعي القصاص أنه عثر عليها ودخلها رجل في عهد معاوية إلى آخر ما ذكر وما نقل من سعتها وما فيها فلا تثبت هذه القصة، و يمكن أنها مما أخبر به القصاص، المفسرون عند هذه الآية في سورة الفجر منهم من أورد هذه القصة كثير من المفسرين منهم الثعلبي الذي هو مفسر ولكن ليس بمحقق.
ولذلك يسمونه حاطب ليل يعني أنه يأخذ ما وجد ويحشر في تفسيره أشياء لا حقيقة لها وقصصا وأحاديث موضوعة أو مكذوبة فلا يغتر به، وكذلك أيضا أفرد كتابا سماه عرائس المجالس في قصص الأنبياء، ولكنه أيضا ذكر فيه كثيرا من الحكايات التي لا أصل لها.
وهناك الكثير من المفسرين أيضا ذكروا هذه القصة في تفاسيرهم ولكن لم يحققوها والعهدة يقولون فيها على الرواة الذين رووها بهذه الأسانيد ولكن الواجب أن المفسر يتثبت ولا يذكر الأشياء الخرافية التي لا أصل لها.
كذلك أيضا من المعلوم أن الذين يذكرونها يعتمدون فيها على الأسانيد فيقولون: نحن نرويها بهذا الإسناد وأنت أيها القارئ ابحث عن صحة هذا الإسناد وابحث عن رجاله ولكن ليس كل من قرأ الكتب يعرف الأسانيد ويعرف الثقات والضعفاء ونحوهم.
فبعض المفسرين المحققين حذفوها وابتعدوا عن ذكرها كما فعل ذلك ابن كثير -رحمه الله-فإنه كان محققا إذا جاء إلى مثل هذه القصص أعرض عنها وعرف أنه لا صحة لها، وأنه لا يجوز أن تحشد هذه القصص الخرافية في تفسير القرآن الذي هو كلام الله تعالى وإنما يعتمد في ذلك على ما هو ثابت وما هو صحيح.
وبذلك يكون القرآن سالما أن يدخل فيه بعض الأشياء التي لا صلة لها به لأنه كلام الله تعالى وهو حق وصدق وكل ما فيه يجب أن يصدق به، فإذا قرأ قراء التفسير مثل هذه الخرافات في هذه القصص صدقوا بها واعتقدوا صحتها وحملوا عليها الآيات مع بعدها عن أن تكون صحيحة، ولكن العوام لا يميزون فالواجب أن يرجع إلي التفاسير التي أهلها من المحققين .

line-bottom