شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
ما ورد بشأن عاد الأولى وإهلاك الله لهم
...............................................................................
السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
يذكر المؤرخون القصص السابقة لأجل العبرة ولأن الله تعالى ذكرها في القرآن لأجل أن يتذكر من يقرأها إذا عرف ما وقع لمن قبلنا وما حصل عليهم من العقوبات ومن النكبات والمصائب والتي سببها كفرهم بالله تعالى وشركهم.
وسببها أيضا تكذيب الرسل الذين أرسلوا إليهم بالبينات فينزل الله تعالى بهم العقوبات ويحل بهم المثلات، فقد ذكر الله تعالى قصة آدم اسم> وسبب إخراجه من الجنة وأنه بسبب معصيته وأكله من الشجرة التي نهي عن الأكل منها فعوقب بإخراجه من الجنة فقال تعالى: رسم> وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى قرآن> رسم> بمجرد أكله من الشجرة ذنب واحد أخرج به من الجنة.
يذكر ذلك بعض الشعراء فيقول:
تصل الذنوب إلى الذنـوب وترتـجي | درج الجنان بهـا وفـوز العـابـد |
ونسيت أن اللــه أخــرج آدمـا اسم> | منها إلى الـدنيـا بـذنب واحــد |
وقص الله علينا أيضا قصة عاد ونبيهم هود اسم> عليه السلام، وذكر أنهم في الأحقاف، والأحقاف هي: الرمال المرتفعة وذكر أنهم في جنوب البلاد أي في نحو بلاد حضرموت اسم> وعدن اسم> وما هناك تلك الأحقاف.
وقد أخبر تعالى بأنهم أعطوا قوة في قولهم: رسم> مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً قرآن> رسم> وذكرهم نبيهم فقال: رسم> وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً قرآن> رسم> أي في الأجسام وفي القوة وأعطوا أيضا قوة معنوية بحيث إنهم يظهرون أثر ذلك في أفعالهم رسم> أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ قرآن> رسم> هذا من آثار ما أعطوه من القوة.
ومع ذلك ما شكروا الله الذي أعطاهم هذه القوة بل كذبوا رسله وقالوا لنبيهم: رسم> سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ قرآن> رسم> فسلط الله عليهم القحط وتأخر المطر مدة طويلة.
وكأنهم عرفوا أو يعرفون أن الله تعالى هو الذي ينزل المطر وأنه لا بد من الاستسقاء فأرسلوا اثنين إلى البيت اسم> إلى مكة اسم> يستسقون هؤلاء الاثنان لما قدما إلى مكة اسم> نزلا عند قريب لهما وأخذ يكرمهما ويعطيهما وقد كانوا قد مسهم الجوع في بلادهم.
وكان عنده جاريتان يقال لهم الجرادتان وأخذت الجاريتان تغنيان كل ليلة بأنواع من الغناء المطرب التي يستلذون بها فتغافلوا عن قومهم ونسوا ما أرسلوهم به من الاستغاثة والاستسقاء لأجل قومهم، فطال الأمد على قومهم وأصيبوا بكثير من الجوع والجهد ونحو ذلك.
ففكر صاحب المنزل وأنشأ أبياتا وأمر الجرادتين أن يغنيا بها ولا يدرى من قائلها ليتذكر هؤلاء ما أرسلا به وكان رئيسهما يقال له: قَيْل فأنشأ يقول:
ألا يـا قيـل اسم> ويحـك قـم فـهيم | لعـل اللـه يسـقينـا غمـامـا |
فتسـقـى أرض عـاد إن عـادًا | قـد أمسـوا لا يبينـون الكلامـا |
مـن العطش الشديد فليس نرجـو | بـه الشـيخ الكبـير ولا الغلامـا |
فقُبِّـح وفـدُكم مـن وفـدِ قـومٍ | ولا لُقُّـوا التحـيـة والسـلامـا |
فأخبر بأن فيها ريحا شديدة رسم> تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ قرآن> رسم> أرسل الله عليهم في هذه السحب ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر سبع ليال وثمانية أيام حسوما فكان هذا هو عذابهم على تكذيبهم الرسل.
ولا شك أن الله تعالى ذكر لهم شيئا من قوتهم وتجبرهم وعتوهم ومع ذلك فما أغنت عنهم قوتهم، ولهذا لما قالوا: رسم> مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً قرآن> رسم> قال الله: رسم> أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً قرآن> رسم> فما أغنت عنهم قوتهم ولا أغنت عنهم أملاكهم.
وأما ما ذكر من أن واحدا منهم وهو شداد بن عاد اسم> بنى مساكن وسماها جنة، فمر بنا أنه كل ما ذكر اسم الجنة في الآخرة خيل إليه أنه قادر على أن يؤسس جنة في الدنيا ويجعل فيها مما في الجنة التي في الآخرة إلى آخر ما ذكر ولكن لم يثبت هذا.
وإنما أخبر الله تعالى بقوتهم فقوله تعالى: رسم> أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ قرآن> رسم> القصة في عاد وليس في مساكنهم، وقد يسمون إرم أي عاد يسمون عاد الأولى كما في قول الله تعالى: رسم> وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى قرآن> رسم> أي الأولية والأكبر.
ثم يسمون أيضا إرم ورد في الحديث في ذكر الخوارج أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الخوارج: رسم> لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد وإرم رسم> فدل على أن إرم اسم من أسماء القبيلة أنهم يسمون عادا ويسمون إرم ويمكن أنهم من قبيلتين قبيلة اسمها عاد الأولى وعاد الثانية هم إرم.
وكلهم عاد وإرم مشهورون بقوة البنية وبالمتانة وبكبر الجثة وكبر الأجرام وبالقوة الحسية والقوة المعنوية ولأجل ذلك أدلوا بقوتهم فهذه قصتهم.
وأما ما ذكر من الجنة التي يدعون أو يدعي القصاص أنه عثر عليها ودخلها رجل في عهد معاوية اسم> إلى آخر ما ذكر وما نقل من سعتها وما فيها فلا تثبت هذه القصة، و يمكن أنها مما أخبر به القصاص، المفسرون عند هذه الآية في سورة الفجر منهم من أورد هذه القصة كثير من المفسرين منهم الثعلبي اسم> الذي هو مفسر ولكن ليس بمحقق.
ولذلك يسمونه حاطب ليل يعني أنه يأخذ ما وجد ويحشر في تفسيره أشياء لا حقيقة لها وقصصا وأحاديث موضوعة أو مكذوبة فلا يغتر به، وكذلك أيضا أفرد كتابا سماه عرائس المجالس في قصص الأنبياء، ولكنه أيضا ذكر فيه كثيرا من الحكايات التي لا أصل لها.
وهناك الكثير من المفسرين أيضا ذكروا هذه القصة في تفاسيرهم ولكن لم يحققوها والعهدة يقولون فيها على الرواة الذين رووها بهذه الأسانيد ولكن الواجب أن المفسر يتثبت ولا يذكر الأشياء الخرافية التي لا أصل لها.
كذلك أيضا من المعلوم أن الذين يذكرونها يعتمدون فيها على الأسانيد فيقولون: نحن نرويها بهذا الإسناد وأنت أيها القارئ ابحث عن صحة هذا الإسناد وابحث عن رجاله ولكن ليس كل من قرأ الكتب يعرف الأسانيد ويعرف الثقات والضعفاء ونحوهم.
فبعض المفسرين المحققين حذفوها وابتعدوا عن ذكرها كما فعل ذلك ابن كثير اسم> -رحمه الله-فإنه كان محققا إذا جاء إلى مثل هذه القصص أعرض عنها وعرف أنه لا صحة لها، وأنه لا يجوز أن تحشد هذه القصص الخرافية في تفسير القرآن الذي هو كلام الله تعالى وإنما يعتمد في ذلك على ما هو ثابت وما هو صحيح.
وبذلك يكون القرآن سالما أن يدخل فيه بعض الأشياء التي لا صلة لها به لأنه كلام الله تعالى وهو حق وصدق وكل ما فيه يجب أن يصدق به، فإذا قرأ قراء التفسير مثل هذه الخرافات في هذه القصص صدقوا بها واعتقدوا صحتها وحملوا عليها الآيات مع بعدها عن أن تكون صحيحة، ولكن العوام لا يميزون فالواجب أن يرجع إلي التفاسير التي أهلها من المحققين .
مسألة>